المناهل:
روي أن حلاقاً اقتصد خمسة ذهبات. وفي أحد الأيام خرج للتنزه فشاهد جماعة حول درويش فسأل عن سبب اجتماعهم فقيل له إن هذا الدرويش يبيع كلام حكمة. فاقترب منه وسأله عن ثمن الحكمة الواحدة فأجابه خمسة ذهبات نقداً. فأخذ الحلاق يتردد بين أن يدفع كل ما اقتصده في حياته ثمن حكمة واحدة وبين أن يذهب بدون حكمة. أخيراً صمم النية على الشراء وأدى المال وطلب من الرجل أن يلقي على مسمعه الحكمة. فقال له: نصيحتي لك ألا تعمل عملاً قبل أن تنظر في عواقبه.
فلما سمع الحلاق هذه الحكمة ظن أنه غبن لأنه لم يتعلم شيئاً جديداً وحاول أن يسترجع ماله من الدرويش فلم يفلح فرجع إلى بيته كئيباً يندب سوء حظه.
وبعد مدة مرض ملك المدينة واحتاج إلى من يفصده (نوع من الحجامة) فاستدعوا له الحلاق. وبينما كان داخلاً إلى القصر التقى شخصاً خارجاً فسأله: هذا أنت الذي دعيت إلى فصد الملك؟
الحلاق: نعم، يا مولاي.
الرجل: وأين الريشة التي أعددتها لذلك؟
الحلاق: ها هي؟
فصاح الرجل: إن هذه الريشة البسيطة لا تليق بالملوك، ثم أخرج من جيبه علبة ضمنها ريشة جميلة وقدمها للحلاق وقال له: افصد الملك بهذه.
فأخذها الحلاق وشكره. ولما دخل على الملك فتح العلبة الجميلة وأخرج منها الريشة الجديدة ولكنه قبل أن يجري الفصد خطر له أنه مرة أدى خمسة ذهبات ثمن حكمة تقول: لا تعمل عملاً قبل أن تنظر في عواقبه. فقال في نفسه إني كنت أستخدم ريشتي البسيطة وأنجح بها فلماذا أستخدم الآن ريشة جديدة لا أعلم ما تُجري عليّ من العواقب. ثم أرجعها إلى علبتها وفصد الملك بريشته البسيطة. أما الملك فكان قد لاحظ تردد الحلاق فسأله أن يصدقه الخبر. فقص عليه الحكاية فجمع المللك بطانته وسأل الحلاق ان يدله على الشخص الذي أعطاهُ الريشة فدل عليه وإذا هو أحد الوزراء فاعترف بذلك. فقال الملك للحلاق: أفصد هذا الوزير بالريشة التي سلمك إياها. ففعل الحلاق فمات الوزير لأن الريشة كانت مسمومة.
عندئذٍ قال المللك للحلاق: إنك بابتياعك الحكمة وباستخدامك إياها في وقتها قد أنقذت حياة الملك، وخلصت المملكة من خيانة الخائنين. ثم عين له راتباً يتناوله ما دام حياً.