كانت قطر الندى بنت خمارويه أكمل نساء عصرها في الجمال والأدب. وقد اتفق لها مع زوجها الخليفة المعتضد حكايات يجب أن تؤرّخ: وضع رأسه يوماً في حجرها فنام حتى غطّ في نومه. فتلطّفت في ميل رأسه من حجرها، ووضعته على مخدة، وقامت. وانتبه المعتضد من نومه فوجد رأسه على مخدة ولم يجد قطر الندى معه. فاشتد غيظه واستدعاها وقال لها: ما هذا الذي صنعت؟ أضع رأسي في حجرك فتتركيني؟ فقالت: إن فيما أوصاني به أبي ألا أجلس بين النيام، ولا أنام بين الجلوس فأعجب ذلك المعتضد وقال: نِعم ما أوصاك به أبوك. وصارت الأمثال في قصر الخليفة تُضرب بأدب قطر الندى. وناولها المعتضد يوما قدح خمر لتشربه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ما شربتُه قط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن النساء: ناقصات عقل ودين، والرجال إن شربوا الخمر ففي عقولهم وأديانهم ما يحتمل حيفها، والنساء بضدّ ذلك. فاشتد ولعه بما سمع منها وأعفاها. ولما قُتل أبوها خمارويه، اتصل خبرُ ذبحه بالمعتضد قبل أن يتصل بقطر الندى. واتفق أن دخل المعتضد على قطر الندى في أثر ذلك، فأحست فتوراً منه في معاملته إياها. فقالت: أحسن الله عزاءك يا أمير المؤمنين في خمارويه، وجعل من غلمانك خير خلف منه. فقال لها: أبلغك قتلُه؟ قالت: لا والله. ما يدخل إليّ خبر من غير جهتك. قال: فمن أين عرفت ذلك؟ قالت: يعفيني أمير المؤمنين من هذا. قال: لا بد من ذكر ذلك. قالت: كان أمير المؤمنين طول حياة أبي يُبدي لي برّاً وتلطفاً، فأعلم باتصال ذلك رعية لمكان أبي. فلما رأيتك اليوم قد عاملتني بفتور ولم أعلم لي ذنباً أستوجب به ذلك، خطر بخاطري أن أبي مات. فاستحيا المعتضد واعتذر. ثم قال لها: فما بالك لا يظهر عليك أثر الحزن عليه؟ قالت: فرحي بك يغلب على حزني عليه، والرضا بحياتك يقهر السخط بموته. فقبّل رأسها وحلف لها أنه يرعاها في موت أبيها أكثر من رعيه لها في حياته.