(ابن الجوزي: الأذكياء، ص 220)
كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال له: شَنّ، فقال: والله، لأطوفن (في البلاد والبوادي) حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها. فبينما هو في بعض مسيره إذ رافقه رجل في الطريق، فسأله شن: أين تريد؟
فقال: موضع كذا، يريد القرية التي يقصدها، فرافقه حتى أخذا في مسيرهما.
قال له شن: أتحملني أم أحملك؟
فقال له الرجل: يا جاهل، أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟
فسكت عنه شن. وسارا حتى إذا قربا من القرية، إذا بزرع قد استحصد (آن وقت حصاده)، فقال شن: أترى هذا الزرع أُكل أم لا؟
فقال له الرجل: يا جاهل، ترى نبتاً مستحصداً فتقول: أُكل أم لا؟
فسكت عنه شن حتى إذا دخلا القرية، لقيتهما جنازة، فقال شن: أترى صاحب هذا النعش حياً أو ميتاً؟
فقال له الرجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي؟
فسكت عنه شن، فأراد مفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه. وكان للرجل بنت يقال لها طبقة. فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه، فأخبرها بمرافقته إياه وشكا إليها جهله، وحدثها بحديثه. فقالت: يا أبت: ما هذا بجاهل، أما قوله: أتحملني أم أحملك، فأراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا. وأما قوله: أترى هذا الزرع أُكل أم لا، فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا؟. وأما قوله في الجنازة، فأراد هل ترك عقباً (ولداً) يحيا به ذكره أم لا.
فخرج الرجل فقعد مع شن، فحادثه ساعة ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه.
قال: نعم. ففسره.
قال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرني من صاحبه؟
قال: ابنة لي.
فخطبها إليه فزوجه إياها، وحملها إلى أهله. فلما عرفوا عقلها ودهاءها قالوا: "وافق شن طبقة".